"ولكن الكل من الله , الذى صالحنا لنفسه بيسوع المسيح , وأعطانا خدمة المصالحة " ( 2 كورنثوس 5 : 18 )
إن العلاقات تستحق دائماً الاسترداد .
بما
ان الحياة تتلخص فى تعلم كيفية المحبة , فإن الله يريدنا ان نقدر العلاقات
ونبذل جهداً للحفاظ عليها بدلاً من ان ننبذها عندما يصيبها صدع , او جرح ,
او نزاع . فالكتاب المقدس يخبرنا فى الحقيقة ان الله قد أعطانا خدمة
المصالحة . لذلك يُكرس جزءاً كبيراً من العهد الجديد لتعليمنا كيف نتفاهم
مع بعضنا بعضاً . فقد كتب بولس " فإن كان وعظ ما فى المسيح . وان كانت
تسلية ما للمحبة . ان كانت شركة ما فى الروح . ان كانت أحشاء ورأفة ,
فتمموا فرحى حتى تفتكروا فكراً واحداً ولكم محبة واحدة بنفس واحدة ,
مفتكرين شيئاً واحداً " وفى الترجمة الإنجليزية يفيد المعنى ( اذا كنتم
تعلمتم اى شئ من اتباع المسيح , اذا كانت محبته قد أثرت فى حياتكم , بأى
شكل , واذا كان وجودكم فى جماعة روحية يعنى اى شئ بالنسبة لكم .. توافقوا
بعضكم مع بعض , أحبو بعضكم بعضاً , كونوا أصدقاء على مستوى روحى عميق ).
وحيث
ان المسيح يريد ان تُعرف عائلته بمحبتها لبعضها البعض , فإن حياة الشركة
المكسورة هى شهادة مخزية لغير المؤمنين . لذلك كان بولس فى غاية الحرج لان
أعضاء كنيسة كورنثوس كانوا ينقسمون الى أحزاب متحاربة بل انهم كانوا
يقاضون بعضهم بعضاً أمام المحاكم . فكتب إليهم " لتخجيلكم اقول. أهكذا ليس
بينكم حكيم ولا واحد يقدر ان يقضى بين إخوته ". لقد صُدم لانه لم يكن هناك
أحد ناضج فى الكنيسة ليحل النزاع بصورة سليمة .
إن كنت تريد
بركة الله على حياتك وأن تُعرف باعتبارك ابناً لله , يجب عليك إذن ان
تتعلم كيف تكون صانع سلام . فقد قال يسوع " طوبى لصانعى السلام لانهم
أبناء الله يُدعون ". لاحظ ان يسوع لم يقل ( طوبى لمحبى السلام ) لان
الجميع يحبون السلام . وهو لم يقل ايضا ( طوبى للمسالمين ) الذين لا يتسبب
شئ فى إزعاجهم . لقد قال يسوع ( طوبى
لهؤلاء الذين يعملون لأجل
السلام – هؤلاء الذين يبحثون بفعالية لحل النزاعات ). ان صانعى السلام
نادرون لان صنع السلام عمل شاق . وحيث انك تشكلت لتكون جزءاً من عائلة
الله , كما ان قصد حياتك على الارض هو تعلم كيف تحب الآخرين وتصنع علاقات
معهم , فإن صنع السلام هو أحد أهم المهارات التى يمكنك ان تطورها . ولكن
للأسف , فإن معظمنا لم يتعلم أبداً كيف يحل النزاعات . ان صنع السلام ليس
هو تجنب النزاعات . إذ ان الهروب من مشكلة والإدعاء بأنها ليست موجودة ,
او الخوف من الحديث عنها يُعتبر فعلياً نوعاً من أنواع الجبن . فيسوع ,
رئيس السلام , لم يكن أبداً خائفاً من النزاع , لكنه فى إحدى المناسبات
دخل نزاع لصالح الجميع . نحتاج فى بعض الأحيان ان نتجنب النزاع , لكننا
نحتاج أحياناً ان نحله , ونحتاج ان نخلقه فى أحيان أخرى . لذلك يجب علينا
ان نصلى من أجل الإرشاد المستمر للروح القدس . كذلك فإن صنع السلام ليس
ترضية, إذ لم يكن فى ذهن يسوع الاستسلام الدائم , او قبول الظلم , او
السماح للآخرين بالتعدى عليك دائماً. لكنه رفض التنازل عن مطالبه فى قضايا
كثيرة, وكان ثابتاً على موقفه فى مواجهة المعارضة
الشريرة.
كيفية استرداد العلاقة : لقد أعطانا الله كمؤمنين خدمة المصالحة . وها هى سبعة مبادئ كتابية لاسترداد حياة الشركة :
تحدث
الى الله قبل ان تتحدث الى الشخص . ناقش المشكلة مع الله . ان كنت ستصلى
أولاً بخصوص النزاع بدلاً من الثرثرة مع صديق , فسوف تكتشف فى أحيان كثيرة
ان الله يغير قلبك او يغير الشخص الآخر دون مساعدتك . سوف تصير علاقاتك
أكثر سلاسة لو انك صليت أكثر من أجلها .
استخدم الصلاة للتنفيس
رأسياً , كما فعل داود فى مزاميره . تحدث الى الله عن الأمور التى تمزق
كيانك من الأعماق , واصرخ له . انه لا يندهش او ينزعج أبداً من غضبك , او
جرحك , او ايه مشاعر أخرى , فاخبره إذن بما تشعر به . تنشأ معظم النزاعات
عن الاحتياجات غير المسددة . بعض هذه الاحتياجات لا يمكن تسديدها إلا من
الله . ان كنت تتوقع من اى شخص – صديق , شريك الحياة , رئيس , او فرد من
العائلة – ان يسدد احتياجاً لا يمكن ان ينجزه سوى الله , فإنك تعرض نفسك
لخيبة الأمل والمرارة . لا يمكن لأحد ان يسدد كل احتياجاتك سوى الله . لقد
لاحظ الرسول يعقوب ان الكثير من نزاعاتنا تنتج عن عدم الصلاة " من أين
الحروب والخصومات بينكم .. تشتهون ولستم تمتلكون .. ولستم تمتلكون لانكم
لا تطلبون ". بدلاً من النظر الى الله , فإننا نعتمد على الآخرين ليجعلونا
سعداء , ثم نغضب عندما يخذلوننا . بينما يقول الله ( لماذا لا تأتون الىَّ
أولاً ؟ ).
قم دائماً بالمبادرة . لا يهم ان كنت أنت المسئ أم
المساء إليه , ان الله يتوقع منك ان تقوم بالخطوة الأولى . لا تنتظر الطرف
الآخر , بل اذهب إليه أولاً . ان استرداد حياة الشركة المكسورة فى غاية
الأهمية حتى ان يسوع أوصى ان تكون لها الأولوية على العبادة الجماعية .
فقد قال " فان قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت ان لأخيك شيئاً عليك
فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولاً اصطلح مع أخيك . وحينئذ تعال
وقدم قربانك ". عندما تتعرض حياة الشركة للتوتر او الكسر , قم بالتخطيط
لمؤتمر صلح على الفور . لا تؤجل , ولا تقدم أعذاراً , او تقول ( سوف
أستوعب الأمر يوماً ما ). ادرج فى جدولك مقابلة وجهاً لوجه فى أسرع وقت
ممكن , إذ ان التأجيل يعمق الاستياء ويزيد الأمور سوءاً . فالوقت لا يشفى
شيئاً فى النزاع , وإنما يتسبب فى تقيح الجروح . ان الفعل السريع يقلل
ايضا من الضرر الروحى الذى يصيبك . إذ يذكر الكتاب المقدس ان الخطية , بما
فيها من نزاع لم يحل , تمنع شركتنا مع الله
وتعيق استجابة صلواتنا ,
علاوة على انها تجعلنا بؤساء . فقد قام أصدقاء أيوب بتذكيره " لان الغيظ
يقتل الغبى والغيرة تميت الأحمق " و " أيها المفترس نفسه فى غيظه ". يعتمد
نجاح مؤتمر السلام غالباً على اختيار المكان والزمان المناسبين للاجتماع .
فلا تتقابلا ان كان أحدكما مرهقاً او متعجلاً او سوف يقاطعه شئ . ان افضل
وقت هو عندما تكونان معاً فى أفضل حال .
تعاطف مع مشاعرهم .
استخدم أذنيك اكثر من فمك .عليك ان تستمع أولاً الى مشاعر الأشخاص قبل ان
تحاول حل اى خلاف . فقد نصح بولس " لا تنظروا كل واحد الى ما هو لنفسه بل
كل واحد الى ما هو لآخرين ايضا " ان عبارة ( تنظروا ) تعنى الانتباه
الشديد! ركز على مشاعرهم وليس على الحقائق . ابدأ بالعطف وليس بالحلول .
لا تحاول ان تستنطق الناس بما يشعرون به
أولاً . استمع لهم فحسب
ودعهم يفرغون مشاعرهم دون ان تكون دفاعياً . أومئ لهم بأنك تتفهم حتى لو
كنت لا توافق , إذ ان المشاعر ليست دائماً دقيقة او منطقية . فالاستياء
يجعلنا فى الحقيقة نتصرف ونفكر بطرق غبية . وقد اعترف داود " لانه تمرمر
قلبى وانتخست فى كليتى . وأنا بليد ولا أعرف . صرت كبهيم عندك ". اننا
جميعاً نتصرف لا أخلاقياً عندما نُجرح . يقول الكتاب المقدس فى المقابل "
تعقل الانسان يبطئ غضبه وفخره الصفح عن معصية ". ان الصبر ينتج عن الحكمة
, والحكمة تنتج عن سماع منظور الآخرين . فالاستماع يقول ( اننى أقدر رأيك
, وأهتم بعلاقتنا . انك هام بالنسبة لى ). كما يصح القول : ان الناس لا
تهتم بما نعرفه حتى يعرفوا اننا نهتم . وحتى نسترجع حياة الشركة " يجب
علينا نحن الأقوياء ان نحتمل أضعاف الضعفاء ولا نرضى أنفسنا . فليرض كل
واحد منا قريبه للخير لأجل البنيان ". انها تضحية ان تمتص فى صبر غضب
الآخر , خاصة لو كان ليس له أساس . لكن تذكر ان ذلك هو ما فعله يسوع لأجلك
. فقد احتمل المسيح الرفض من خاصته عندما حمى غضب الشعب عليه بلا سبب
وأسلموه بخبث للصلب , لكى تنال انت الخلاص . لان المسيح ايضا لم
يرض نفسه بل كما هو مكتوب " تعييرات معييرك وقعت علىَّ ".
اعترف
بخطأك فى النزاع . ان كنت جاداً بخصوص استرداد العلاقة , فعليك ان تبدأ
بالاعتراف بأخطائك او خطيتك الخاصة . فقد ذكر يسوع ان تلك هى الطريقة
لرؤية الأشياء أكثر وضوحاً " أخرج أولاً الخشبة من عينك وحينئذ تبصر ان
تخرج القذى من عين أخيك ". وحيث اننا جميعاً لدينا نقاط عمياء . فقد تكون
فى احتياج لطرف ثالث ليساعدك على تقييم أفعالك قبل الالتقاء بالشخص
المتنازع معه . اسأل الله ايضا ان يظهر لك مقدار الخطأ الذى ساهمت به فى
المشكلة . اسأل : ( هل تكمن المشكلة فىَّ , هل كنت غير واقعى او غير حساس
او حساساً جداً ؟ ) يقول الكتاب المقدس " إن قلنا انه ليس لنا خطية نضل
أنفسنا وليس الحق فينا ". ان الاعتراف أداة فعالة للمصالحة , إذ ان
الطريقة
التى نتعامل بها مع النزاع كثيراً ما تخلق جرحاً اكبر من
المشكلة الأصلية نفسها . عندما تبدأ بالاعتراف بأخطائك فى تواضع , فذلك
يهدئ غضب الشخص الآخر وينزع أسلحة هجومه لانه ربما كان يتوقع ان تكون
دفاعياً . لا تقدم أعذاراً او تلقى باللوم على الآخرين , فقط اعترف بأى
جزء شاركت به فى النزاع . اقبل المسئولية عن اخطائك واطلب الغفران.
هاجم
المشكلة وليس الشخص . لن تتمكن من إصلاح المشكلة لو كنت مهتماً فقط
بالتركيز على اللوم . يجب ان تختار بين الأمرين . يقول الكتاب المقدس "
الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط ". لن تستطيع أبداً ان
توصل وجهة نظرك إن كنت معارضاً , لذلك اختر كلماتك بحكمة . فالجواب اللين
هو دائماً أفضل من الرد المتهكم . ان الكيفية التى تقول بها الأمر , أثناء
حل
النزاعات , تُعتبر بنفس أهمية ما تقوله . ان قلت الأمر بطريقة
هجومية , فسوف يُستقبل بصورة دفاعية . يخبرنا الله " حكيم القلب يُدعى
فهيماً وحلاوة الشفتين تزيد علماً ". فالاحتجاج لا ينجح أبداً . لن تكون
مقنعاً أبداً عندما تكون وقحاً . وفى حياة الشركة , يجب ان تدمر ترسانة
أسلحتك النووية , وما تتضمنه من دينونة , واستخفاف , ومقارنة , وتوصيف ,
وإهانة , وتصغير , وسخرية. يلخص بولس الأمر بهذه الطريقة " لا تخرج كلمة
ردية من أفواهكم بل كل ما كان صالحاً للبنيان حسب الحاجة كى يعطى نعمة
للسامعين ".
كن متعاوناً على قدر الإمكان . فقد قال بولس" ان
كان ممكناً فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس ". فالسلام له دائماً ثمن ,
فإنه يكلفنا أحياناً كبرياءنا , وكثيراً ما يكلفنا التمركز حول ذواتنا .
افعل ما بوسعك
, فى سبيل حياة الشركة , للتوصل الى تفاهم , والتكيف
مع الآخرين , وإعطاء الأولوية لما يحتاجونه . قال يسوع " طوبى لصانعى
السلام لانهم أبناء الله يدعون ". وفى الترجمة الإنجليزية يفيد المعنى (
يالسعادتكم عندما تظهرون للناس كيف يتعاونون بدلاً من التنافس والتطاحن ,
عندئذ ستكتشفون حقيقة أنفسكم ومكانتكم فى عائلة الله ).
أكد
على المصالحة وليس الحل . من غير المتوقع ان ننتظر موافقة الجميع على كل
شئ . ان المصالحة توجه التركيز الى العلاقة , بينما الحل يركز على المشكلة
. عندما نوجه تركيزنا الى المصالحة , تفقد المشكلة أهميتها وتصبح غالباً
غير متصلة بالموضوع . يمكننا ان نعيد العلاقة الى سابق عهدها حتى وان كنا
غير قادرين على التوصل لحل اختلافاتنا . والمسيحيون غالباً ما يختلفون
فيما بينهم , فى
إطار من الشرعية والأمانة , لكننا يمكن ان نختلف دون
ان نكون سيئى الطباع , إذ ان نفس الجوهرة تبدو مختلفة عند النظر إليها من
زوايا مختلفة . يتوقع الله منا الوحدة , وليس التماثل , كما انه يمكننا ان
نعيش فى سلام ووئام دون ان نتفق حول جميع القضايا . وهذا لا يعنى ان نيأس
من إيجاد حل . قد تحتاج ان تستمر فى المناقشة وحتى المجادلة – لكنك يجب ان
تقوم بذلك فى جو من التناغم . فالمصالحة تعنى ان تعقد صلحاً وليس بالضرورة
ان تدفن القضية .
من الذى تحتاج ان تتصل به بعد قراءتك لهذه
الرسالة ؟ مع من تحتاج ان تسترجع حياة الشركة ؟ لا تؤجل دقيقة أخرى . توقف
الآن وتحدث مع الله عن ذلك الشخص , ثم ابدأ بالمصالحة . ان هذه الخطوات
السبع بسيطة لكنها ليست سهلة , إذ ان الأمر يتطلب الكثير من الجهد
لاسترجاع علاقة . لقد حثنا بطرس على ذلك " ليطلب السلام ويجِّد فى أثره ".
لكنك عندما تعمل لأجل السلام , فإنك تقوم بما كان
الله سيفعله . لذلك يدعو الله صانعى السلام أبناءه .
نقطة للتأمل : إن العلاقات تستحق دائماً استردادها .
آية للتذكر : " إن كان ممكناً فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس " ( رومية 12: 18 )
سؤال للتفكير : من الذى أحتاج أن استرد علاقتى المكسورة معه اليوم ؟
للاخ الدكتور زكريا استاورو
إن العلاقات تستحق دائماً الاسترداد .
بما
ان الحياة تتلخص فى تعلم كيفية المحبة , فإن الله يريدنا ان نقدر العلاقات
ونبذل جهداً للحفاظ عليها بدلاً من ان ننبذها عندما يصيبها صدع , او جرح ,
او نزاع . فالكتاب المقدس يخبرنا فى الحقيقة ان الله قد أعطانا خدمة
المصالحة . لذلك يُكرس جزءاً كبيراً من العهد الجديد لتعليمنا كيف نتفاهم
مع بعضنا بعضاً . فقد كتب بولس " فإن كان وعظ ما فى المسيح . وان كانت
تسلية ما للمحبة . ان كانت شركة ما فى الروح . ان كانت أحشاء ورأفة ,
فتمموا فرحى حتى تفتكروا فكراً واحداً ولكم محبة واحدة بنفس واحدة ,
مفتكرين شيئاً واحداً " وفى الترجمة الإنجليزية يفيد المعنى ( اذا كنتم
تعلمتم اى شئ من اتباع المسيح , اذا كانت محبته قد أثرت فى حياتكم , بأى
شكل , واذا كان وجودكم فى جماعة روحية يعنى اى شئ بالنسبة لكم .. توافقوا
بعضكم مع بعض , أحبو بعضكم بعضاً , كونوا أصدقاء على مستوى روحى عميق ).
وحيث
ان المسيح يريد ان تُعرف عائلته بمحبتها لبعضها البعض , فإن حياة الشركة
المكسورة هى شهادة مخزية لغير المؤمنين . لذلك كان بولس فى غاية الحرج لان
أعضاء كنيسة كورنثوس كانوا ينقسمون الى أحزاب متحاربة بل انهم كانوا
يقاضون بعضهم بعضاً أمام المحاكم . فكتب إليهم " لتخجيلكم اقول. أهكذا ليس
بينكم حكيم ولا واحد يقدر ان يقضى بين إخوته ". لقد صُدم لانه لم يكن هناك
أحد ناضج فى الكنيسة ليحل النزاع بصورة سليمة .
إن كنت تريد
بركة الله على حياتك وأن تُعرف باعتبارك ابناً لله , يجب عليك إذن ان
تتعلم كيف تكون صانع سلام . فقد قال يسوع " طوبى لصانعى السلام لانهم
أبناء الله يُدعون ". لاحظ ان يسوع لم يقل ( طوبى لمحبى السلام ) لان
الجميع يحبون السلام . وهو لم يقل ايضا ( طوبى للمسالمين ) الذين لا يتسبب
شئ فى إزعاجهم . لقد قال يسوع ( طوبى
لهؤلاء الذين يعملون لأجل
السلام – هؤلاء الذين يبحثون بفعالية لحل النزاعات ). ان صانعى السلام
نادرون لان صنع السلام عمل شاق . وحيث انك تشكلت لتكون جزءاً من عائلة
الله , كما ان قصد حياتك على الارض هو تعلم كيف تحب الآخرين وتصنع علاقات
معهم , فإن صنع السلام هو أحد أهم المهارات التى يمكنك ان تطورها . ولكن
للأسف , فإن معظمنا لم يتعلم أبداً كيف يحل النزاعات . ان صنع السلام ليس
هو تجنب النزاعات . إذ ان الهروب من مشكلة والإدعاء بأنها ليست موجودة ,
او الخوف من الحديث عنها يُعتبر فعلياً نوعاً من أنواع الجبن . فيسوع ,
رئيس السلام , لم يكن أبداً خائفاً من النزاع , لكنه فى إحدى المناسبات
دخل نزاع لصالح الجميع . نحتاج فى بعض الأحيان ان نتجنب النزاع , لكننا
نحتاج أحياناً ان نحله , ونحتاج ان نخلقه فى أحيان أخرى . لذلك يجب علينا
ان نصلى من أجل الإرشاد المستمر للروح القدس . كذلك فإن صنع السلام ليس
ترضية, إذ لم يكن فى ذهن يسوع الاستسلام الدائم , او قبول الظلم , او
السماح للآخرين بالتعدى عليك دائماً. لكنه رفض التنازل عن مطالبه فى قضايا
كثيرة, وكان ثابتاً على موقفه فى مواجهة المعارضة
الشريرة.
كيفية استرداد العلاقة : لقد أعطانا الله كمؤمنين خدمة المصالحة . وها هى سبعة مبادئ كتابية لاسترداد حياة الشركة :
تحدث
الى الله قبل ان تتحدث الى الشخص . ناقش المشكلة مع الله . ان كنت ستصلى
أولاً بخصوص النزاع بدلاً من الثرثرة مع صديق , فسوف تكتشف فى أحيان كثيرة
ان الله يغير قلبك او يغير الشخص الآخر دون مساعدتك . سوف تصير علاقاتك
أكثر سلاسة لو انك صليت أكثر من أجلها .
استخدم الصلاة للتنفيس
رأسياً , كما فعل داود فى مزاميره . تحدث الى الله عن الأمور التى تمزق
كيانك من الأعماق , واصرخ له . انه لا يندهش او ينزعج أبداً من غضبك , او
جرحك , او ايه مشاعر أخرى , فاخبره إذن بما تشعر به . تنشأ معظم النزاعات
عن الاحتياجات غير المسددة . بعض هذه الاحتياجات لا يمكن تسديدها إلا من
الله . ان كنت تتوقع من اى شخص – صديق , شريك الحياة , رئيس , او فرد من
العائلة – ان يسدد احتياجاً لا يمكن ان ينجزه سوى الله , فإنك تعرض نفسك
لخيبة الأمل والمرارة . لا يمكن لأحد ان يسدد كل احتياجاتك سوى الله . لقد
لاحظ الرسول يعقوب ان الكثير من نزاعاتنا تنتج عن عدم الصلاة " من أين
الحروب والخصومات بينكم .. تشتهون ولستم تمتلكون .. ولستم تمتلكون لانكم
لا تطلبون ". بدلاً من النظر الى الله , فإننا نعتمد على الآخرين ليجعلونا
سعداء , ثم نغضب عندما يخذلوننا . بينما يقول الله ( لماذا لا تأتون الىَّ
أولاً ؟ ).
قم دائماً بالمبادرة . لا يهم ان كنت أنت المسئ أم
المساء إليه , ان الله يتوقع منك ان تقوم بالخطوة الأولى . لا تنتظر الطرف
الآخر , بل اذهب إليه أولاً . ان استرداد حياة الشركة المكسورة فى غاية
الأهمية حتى ان يسوع أوصى ان تكون لها الأولوية على العبادة الجماعية .
فقد قال " فان قدمت قربانك الى المذبح وهناك تذكرت ان لأخيك شيئاً عليك
فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولاً اصطلح مع أخيك . وحينئذ تعال
وقدم قربانك ". عندما تتعرض حياة الشركة للتوتر او الكسر , قم بالتخطيط
لمؤتمر صلح على الفور . لا تؤجل , ولا تقدم أعذاراً , او تقول ( سوف
أستوعب الأمر يوماً ما ). ادرج فى جدولك مقابلة وجهاً لوجه فى أسرع وقت
ممكن , إذ ان التأجيل يعمق الاستياء ويزيد الأمور سوءاً . فالوقت لا يشفى
شيئاً فى النزاع , وإنما يتسبب فى تقيح الجروح . ان الفعل السريع يقلل
ايضا من الضرر الروحى الذى يصيبك . إذ يذكر الكتاب المقدس ان الخطية , بما
فيها من نزاع لم يحل , تمنع شركتنا مع الله
وتعيق استجابة صلواتنا ,
علاوة على انها تجعلنا بؤساء . فقد قام أصدقاء أيوب بتذكيره " لان الغيظ
يقتل الغبى والغيرة تميت الأحمق " و " أيها المفترس نفسه فى غيظه ". يعتمد
نجاح مؤتمر السلام غالباً على اختيار المكان والزمان المناسبين للاجتماع .
فلا تتقابلا ان كان أحدكما مرهقاً او متعجلاً او سوف يقاطعه شئ . ان افضل
وقت هو عندما تكونان معاً فى أفضل حال .
تعاطف مع مشاعرهم .
استخدم أذنيك اكثر من فمك .عليك ان تستمع أولاً الى مشاعر الأشخاص قبل ان
تحاول حل اى خلاف . فقد نصح بولس " لا تنظروا كل واحد الى ما هو لنفسه بل
كل واحد الى ما هو لآخرين ايضا " ان عبارة ( تنظروا ) تعنى الانتباه
الشديد! ركز على مشاعرهم وليس على الحقائق . ابدأ بالعطف وليس بالحلول .
لا تحاول ان تستنطق الناس بما يشعرون به
أولاً . استمع لهم فحسب
ودعهم يفرغون مشاعرهم دون ان تكون دفاعياً . أومئ لهم بأنك تتفهم حتى لو
كنت لا توافق , إذ ان المشاعر ليست دائماً دقيقة او منطقية . فالاستياء
يجعلنا فى الحقيقة نتصرف ونفكر بطرق غبية . وقد اعترف داود " لانه تمرمر
قلبى وانتخست فى كليتى . وأنا بليد ولا أعرف . صرت كبهيم عندك ". اننا
جميعاً نتصرف لا أخلاقياً عندما نُجرح . يقول الكتاب المقدس فى المقابل "
تعقل الانسان يبطئ غضبه وفخره الصفح عن معصية ". ان الصبر ينتج عن الحكمة
, والحكمة تنتج عن سماع منظور الآخرين . فالاستماع يقول ( اننى أقدر رأيك
, وأهتم بعلاقتنا . انك هام بالنسبة لى ). كما يصح القول : ان الناس لا
تهتم بما نعرفه حتى يعرفوا اننا نهتم . وحتى نسترجع حياة الشركة " يجب
علينا نحن الأقوياء ان نحتمل أضعاف الضعفاء ولا نرضى أنفسنا . فليرض كل
واحد منا قريبه للخير لأجل البنيان ". انها تضحية ان تمتص فى صبر غضب
الآخر , خاصة لو كان ليس له أساس . لكن تذكر ان ذلك هو ما فعله يسوع لأجلك
. فقد احتمل المسيح الرفض من خاصته عندما حمى غضب الشعب عليه بلا سبب
وأسلموه بخبث للصلب , لكى تنال انت الخلاص . لان المسيح ايضا لم
يرض نفسه بل كما هو مكتوب " تعييرات معييرك وقعت علىَّ ".
اعترف
بخطأك فى النزاع . ان كنت جاداً بخصوص استرداد العلاقة , فعليك ان تبدأ
بالاعتراف بأخطائك او خطيتك الخاصة . فقد ذكر يسوع ان تلك هى الطريقة
لرؤية الأشياء أكثر وضوحاً " أخرج أولاً الخشبة من عينك وحينئذ تبصر ان
تخرج القذى من عين أخيك ". وحيث اننا جميعاً لدينا نقاط عمياء . فقد تكون
فى احتياج لطرف ثالث ليساعدك على تقييم أفعالك قبل الالتقاء بالشخص
المتنازع معه . اسأل الله ايضا ان يظهر لك مقدار الخطأ الذى ساهمت به فى
المشكلة . اسأل : ( هل تكمن المشكلة فىَّ , هل كنت غير واقعى او غير حساس
او حساساً جداً ؟ ) يقول الكتاب المقدس " إن قلنا انه ليس لنا خطية نضل
أنفسنا وليس الحق فينا ". ان الاعتراف أداة فعالة للمصالحة , إذ ان
الطريقة
التى نتعامل بها مع النزاع كثيراً ما تخلق جرحاً اكبر من
المشكلة الأصلية نفسها . عندما تبدأ بالاعتراف بأخطائك فى تواضع , فذلك
يهدئ غضب الشخص الآخر وينزع أسلحة هجومه لانه ربما كان يتوقع ان تكون
دفاعياً . لا تقدم أعذاراً او تلقى باللوم على الآخرين , فقط اعترف بأى
جزء شاركت به فى النزاع . اقبل المسئولية عن اخطائك واطلب الغفران.
هاجم
المشكلة وليس الشخص . لن تتمكن من إصلاح المشكلة لو كنت مهتماً فقط
بالتركيز على اللوم . يجب ان تختار بين الأمرين . يقول الكتاب المقدس "
الجواب اللين يصرف الغضب والكلام الموجع يهيج السخط ". لن تستطيع أبداً ان
توصل وجهة نظرك إن كنت معارضاً , لذلك اختر كلماتك بحكمة . فالجواب اللين
هو دائماً أفضل من الرد المتهكم . ان الكيفية التى تقول بها الأمر , أثناء
حل
النزاعات , تُعتبر بنفس أهمية ما تقوله . ان قلت الأمر بطريقة
هجومية , فسوف يُستقبل بصورة دفاعية . يخبرنا الله " حكيم القلب يُدعى
فهيماً وحلاوة الشفتين تزيد علماً ". فالاحتجاج لا ينجح أبداً . لن تكون
مقنعاً أبداً عندما تكون وقحاً . وفى حياة الشركة , يجب ان تدمر ترسانة
أسلحتك النووية , وما تتضمنه من دينونة , واستخفاف , ومقارنة , وتوصيف ,
وإهانة , وتصغير , وسخرية. يلخص بولس الأمر بهذه الطريقة " لا تخرج كلمة
ردية من أفواهكم بل كل ما كان صالحاً للبنيان حسب الحاجة كى يعطى نعمة
للسامعين ".
كن متعاوناً على قدر الإمكان . فقد قال بولس" ان
كان ممكناً فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس ". فالسلام له دائماً ثمن ,
فإنه يكلفنا أحياناً كبرياءنا , وكثيراً ما يكلفنا التمركز حول ذواتنا .
افعل ما بوسعك
, فى سبيل حياة الشركة , للتوصل الى تفاهم , والتكيف
مع الآخرين , وإعطاء الأولوية لما يحتاجونه . قال يسوع " طوبى لصانعى
السلام لانهم أبناء الله يدعون ". وفى الترجمة الإنجليزية يفيد المعنى (
يالسعادتكم عندما تظهرون للناس كيف يتعاونون بدلاً من التنافس والتطاحن ,
عندئذ ستكتشفون حقيقة أنفسكم ومكانتكم فى عائلة الله ).
أكد
على المصالحة وليس الحل . من غير المتوقع ان ننتظر موافقة الجميع على كل
شئ . ان المصالحة توجه التركيز الى العلاقة , بينما الحل يركز على المشكلة
. عندما نوجه تركيزنا الى المصالحة , تفقد المشكلة أهميتها وتصبح غالباً
غير متصلة بالموضوع . يمكننا ان نعيد العلاقة الى سابق عهدها حتى وان كنا
غير قادرين على التوصل لحل اختلافاتنا . والمسيحيون غالباً ما يختلفون
فيما بينهم , فى
إطار من الشرعية والأمانة , لكننا يمكن ان نختلف دون
ان نكون سيئى الطباع , إذ ان نفس الجوهرة تبدو مختلفة عند النظر إليها من
زوايا مختلفة . يتوقع الله منا الوحدة , وليس التماثل , كما انه يمكننا ان
نعيش فى سلام ووئام دون ان نتفق حول جميع القضايا . وهذا لا يعنى ان نيأس
من إيجاد حل . قد تحتاج ان تستمر فى المناقشة وحتى المجادلة – لكنك يجب ان
تقوم بذلك فى جو من التناغم . فالمصالحة تعنى ان تعقد صلحاً وليس بالضرورة
ان تدفن القضية .
من الذى تحتاج ان تتصل به بعد قراءتك لهذه
الرسالة ؟ مع من تحتاج ان تسترجع حياة الشركة ؟ لا تؤجل دقيقة أخرى . توقف
الآن وتحدث مع الله عن ذلك الشخص , ثم ابدأ بالمصالحة . ان هذه الخطوات
السبع بسيطة لكنها ليست سهلة , إذ ان الأمر يتطلب الكثير من الجهد
لاسترجاع علاقة . لقد حثنا بطرس على ذلك " ليطلب السلام ويجِّد فى أثره ".
لكنك عندما تعمل لأجل السلام , فإنك تقوم بما كان
الله سيفعله . لذلك يدعو الله صانعى السلام أبناءه .
نقطة للتأمل : إن العلاقات تستحق دائماً استردادها .
آية للتذكر : " إن كان ممكناً فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس " ( رومية 12: 18 )
سؤال للتفكير : من الذى أحتاج أن استرد علاقتى المكسورة معه اليوم ؟
للاخ الدكتور زكريا استاورو